
إن الدرب الذى سَلَكْتُهُ وانتهى بى إلى القول بأن توراة موسى هيروغليفية الأصل وليست عبرية، لم يسبقنى إليه أحدٌ من قبل. وتعتمد عُدتى فى هذه المسيرة على دراسةٍ ذات شعبتيْن، إحداهما لغوية، والأخرى لاهوتية. أما الدراسة اللغوية فالإحاطة بلغات شعوب شبه الجزيرة العربية، أعنى اللغات العربية أو السامية. أما اللغة العبرية فلم تُعرف بهذا الاسم فى التوراة أو الأنبياء أو الكتب، بل جاءتنا تحت اسم الكنعانية أو اليهودية. وزَعَمَ العبريون أن لغتهم هى لغة التوراة واللغة التى كلم اللّٰه بها موسى. والإسرائيليون أنفسهم لم يُعرَفوا باسم العبريين ـ كشعب ـ ولم يتكلموا العبرية إلا بعد استيطانهم كنعان ومخالطتهم الكنعانيين. أما قبل ذلك فقد كانوا يتكلمون لغة الشعوب المضيفة لهم. والإسرائيليون فى مصر كانوا ولا شك يتكلمون المصرية شأنهم شأن غيرهم من الأقوام التى عاشت فى كنف المصريين. وإذا علمنا أن موسى وُلد فى مصر، ونشأ فى مصر، وتثقَّف ثقافةً مصريةً، وتدرج فى مختلف الوظائف العسكرية حتى أصبح ـ كما يحدثنا المؤرخ اليهودى "يوسيفوس فلافيوس" ـ ضابطًا فى الجيش المصرى، ولم يخرج مع مَنْ خرجوا إلى سيناء، والتى كانت وقتَ ذاكَ إقليمًا مصريًّا، إلا ليواصل حياته المصرية بعيدًا عن استبداد الفرعون، ولم يَـرَ موسى فلسطين وتوفى قبل أن تظهر العبرية إلى الوجود بأكثر من قرن.. فلغته كانت ولا شك اللغة المصرية القديمة. وهذا دليل آخر على أن توراة موسى التى اهتمت اهتمامًا كبيرًا باليهودية وأفسحت لها صدرها، لم تدوَّن فى العبرية التى رطن بها الإسرائيليون بعد نزوحهم إلى كنعان، أعنى بعد وفاة موسى بزمن طويل. فهذه العوامل وغيرها عُنِيتُ بعرضها وتحليلها فى كتابى هذا؛ تحقيقًا لغاية تصويب خطإٍ شائع قُصد به الترويج للّغة العبرية على أنها لغة مقدسة، أُنزلت بها الشريعة، ودُوِّنت فيها معظم أسفار الأنبياء والكتب.
فالتوراة إذن كُتبت بالمصرية القديمة وليست بالعبرية!